معرض الكرة و الكتاب
من الأشياء التي تثير الحنق فوضى تحديد الأولويات و تقييم الأمور. كما يزداد المرء حسرة حين يشهد رؤيتنا للبوصلة من زاوية تزيغ الرؤية عن الصراط السوي. تراكمت أحداث ايجابية خلال السنة الماضية لم أكن أرى فيها تحولا جذريا بقدر ما استشعرت بادرة نحو إضافة تراكمات مهمة تبشر ببداية الافاقة. بيد أنه على مر الأسابيع الماضية استوقفني كثيرا مما قرأت و هو يشير إلى أننا بالفعل لا نرى البوصلة في العتمة بل نبدو و كأننا نلبس نظاراتنا الشمسية و نحن نبحث عن اتجاهها في غرفة مظلمة!!
تنظيم معرض الكتاب بالتوازي مع كأس الأمم الأفريقية و في مربع منطقة واحدة ينم عن ثقب عظيم في التنظيم و الادارة هذا إذا أجبرنا أنفسنا على الاعتقاد بمبدأ حسن النية. يبدو أن هناك مشكلة في الكرة و رأس الرجل لكن الغلبة للساحرة المستديرة حتى الآن؟
حز في نفسي ما حدث. إذ لمعرض الكتاب ذكريات عديدة في حقيبة ذاكرتي. البواكير بدأت حين كانت تصحبني أمي إلى معرض الكتاب. في البداية كنت أعود محملا بألغاز المغامرين الخمسة و الشياطين 13 و رجل المستحيل و كل ما كان على هذه الشاكلة. في مرحلة لاحقة بدأت أتيح مجالا لكتب عن الأنبياء و السير و علماء العرب. ثم بدأت أقرأ في التراث و الفلسفة و الأدب العربي و المترجم. مع تعاظم سعر الكتاب في مواجهة مصروفي صرت أشتري ما أحب أن أقتنيه فقط و أعتمد على الاستعارة من المكتبات و الأصدقاء.
أتذكر أن أحد نصوص المطالعة المقررة للدراسة أشار إلى أن معرض الكتاب في مصر هو أكبر و أهم معرض للكتب في العالم بعد معرض فرانكفورت. لذا كنت أشعر بأهمية الحدث و أنا أزور معرض الكتاب. بيد أني شهدت لاحقا معرض الكتاب و هو يهرم من عام لآخر. كانت دار المعارف من الدور التي أحبها. كانت دارا رحبة تقل فيها مراقبة العاملين اللصيقة مما كان يتيح لي و لكثيرين غيري الجلوس في الأركان لقراءة أحد الكتب بدلا من إضافته إلى قائمة الشراء!! كنت أجوب الدور واحدة تلو الأخرى. و لأن معرض الكتاب كان يصادف غالبا أجازة نصف العام فقد كنت أرتاده مرات عديدة خلال الأجازة حتى أتم زيارة جميع السرايا.
مرت سنوات أفل فيها نور بعض الدور الكبيرة مثل دار المعارف لصالح أكشاك و سرايا هنا و هناك تبيع كتب التراث و الدين. بما أني عاشق للتراث و قارئ جيد لكثير من كتبه استحببت الأمر لكن كان انزعاجي يستند إلى بعض الكتب الرخيصة التي كانت تنتشر في بعض الأجنحة ذات الطابع الديني بل و احتلالها الصدارة متقدمة على أبواب كثيرة من المعارف النافعة.
في سنوات لاحقة ظهر المقهى الثقافي و أنشطة أخرى كان فيها بعض الثمين و كثير من الغث الذي يبيعه أشباه مثقفين على صلة بمراكز قوة في الجهات المسئوولة عن الثقافة و شئون الكتاب. على صعيد آخر تكاثرت دور النشر "الإسلامية" و بعدها بقليل دور النشر "المسيحية" و بينهما عربات الكشري و الأطعمة السريعة و أصبح معرض الكتاب فسحة من لا فسحة له لكن بعيدا عن الكتاب!! حين أتذكر الآن صورة معرض الكتاب الذي رأيته آخر مرة في نهاية القرن الماضي، أتساءل كيف لم نتبين ما سيأتي لاحقا؟!! استقطابات مكتومة و رؤية معدومة تقدم كتبا يحملها الناس على ظهورهم ليزينوا بها منازلهم وأطعمة وأخيرا كرة قدم تعترض الطريق. استر يا رب.
فريق صناع الحياة بعد أن أتحفنا بالحج متلفزا على الهواء مباشرة يتجه بنا إلى الاستاد؟!! يبدو أن معرض الكتاب لا يروق لصناع الحياة!!
0 Comments:
Post a Comment
<< Home