Monday, June 20, 2005

راجع لبنان


X :
ألا ترى أن المحن و الاختبارات تجمع و تجعل الناس على قلب رجل واحد؟

أوافقك تماما. أظن أن ماركس قد قال ذات مرة أن الحرب قاطرة التاريخ. العالم و الدول و الشعوب قبل الحروب و بعدها ليسوا سواء. و أعتقد أننا كعرب حقا نجتمع عند الشدائد و نستقوي ببعضنا عند نزول المصاب.
مساء أمس كانت لي فرصة الاجتماع بشباب عربي تسامرنا في مقهى في الحي اللاتيني بمونتريال قبل أن تعرض احداهن الذهاب إلى آخر ليلة بمهرجان لبنان بمونتريال. حين وصلنا إلى هناك في المارشيه سنترال، أحسسنا أننا تركنا مونتريال وراءنا و أننا صرنا ببيروت. الزحام و المركبات المصفوفة على جنبات الطريق و الحكي العربي قد أخذ مكانه و اختفى حكي الناس بالانجليزية و الفرنسية. وصلنا على نغمات الدبكة و جمع من الشباب في منتصف الحلقات يرقص بعزم و فرح. كنت أنا و سامر مصريان في وسط جمع من الشوام لبنانيين و سوريين. علم لبنان على جنبات الحفل و في الأيدي أو ملفوفا على أجساد من أعمار شتى و طوائف شتى. إدارة المهرجان في لافتات واضحة دعت إلى عدم توزيع منشورات، لكن العين الفاحصة لا تخطئ مثلا أنصار عون و التيار الوطني الحر أو أنصار جعجع و القوات فضلا عن الشيعة و السنة و أنصار تيار المستقبل. بيد أن الجميع كان يغني للبنان و يتكاتفون و يرقصون الدبكة على أغاني وطنية عرفت بعضا منها لماجدة الرومي و جوليا بطرس و وديع الصافي. التفت إلى سامر و أبدى اعجابه و تعجبه من أن هذا التنوع و الاختلاف (الطائفي) و السياسي لا يمنع الجميع من أن يغني لبنان و كذا أبدى تعجبه لأولئك الأطفال الصغار الذين يحملون علم لبنان باعتزاز و تساءل لماذا لسنا كذلك في مصر.
صرخت في أذنه حتى أسمعه بسبب صخب الموسيقى أن لبنان تعرض لمحنة طويلة جعلت من الناس يحلمون بلبنان للجميع وطن حر و ديمقراطي. الحرب تغير الناس. صحيح أنها تأخذ منهم الكثير لكنها ترد الشعوب إلى جادة الطريق. انظر مثلا أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، أو مصر بعد هزيمة 67. بعد المحنة هناك أمل و طموح و مشروع وطني. إذا اختفى المشروع الوطني حل الخمول و تكاثر الفساد و الأنانية و ساد منطق المصالح الشخصية و الطائفية. أزمة مصر حاليا و شبابها هو غياب المشروع الوطني. بعد حرب أكتوبر 73 لم نكن أمام اختبار و لم ننجح في اتخاذ مشروع وطني. فساد منطق المصالح و لم يعد مكان للانتماء لوطن و إنما صار الانتماء و الولاء لجماعات و طوائف و أديان دون أي فاعلية إيجابية تذكر.

X :
إذن تعتقد أن في لبنان لا توجد حساسيات و أن لبنان نموذج يحتذى في الرقعة العربية؟

سألت هذا السؤال لندى. أعتقد أن تحليلها جيد. هي قالت أن المثل العربي القائل أنا و أخي على بن عمي و أنا و بن عمي على الغريب ينطبق على الحالة اللبنانية. أمام الاختبار و الغريب ستجد لبنان بكل طوائفه يجتمع و يغني و يقول لبنان أولا. ثم إذا زال الخطر نعود لدوائر الطائفة و العائلة و تقسيمات الحضر و الضيعة. ثم أضافت أن كثيرا من الشباب اللبناني صار واعيا و مدركا لهذا الأمر و هو يحاول أن يغير هذا التعاطي ليجعل من لبنان دائما لكل اللبنانين و أن يقدم مصالح الوطن على الطائفة.

X :
هل رقصت الدبكة، إذن؟
الحقيقة حاولت لكني لم أفلح في متابعة الخطوات، إذ تبين أن هناك خطوات عدة و ليست مجموعة واحدة فاكتفيت بالمشاهدة و أنا أتناول شقة من الكفتة المشوية. و على ذكر الدبكة أذكر حديثا دار بيني و بين الدكتور الدجاني رحمه الله عن الدبكة و الرقص في الوطن العربي. كان يقول أن الدبكة رقصة فيها حميمية و مشاركة من الجميع نساء و رجال. هي رقصة لا خلاعة فيها و إنما هي رقصة روح و جماعة. ترقصها الأسرة و الأصدقاء. كثير من شعوب العالم لها رقصات جماعية و هذا أمر مهم لأن الناس اعتادت إن تحزن سويا و لكنها ينبغي أن تفرح سويا و تؤكد على معنى الجماعة في الفرح أيضا. سامر حاول أن يقول أن رقص العصا عند أهل الصعيد في مصر هو رقص جماعي. ربما إلى حد ما و لكنه مقصور على اثنين أو ثلاثة من الرجال فقط. الدبكة كالتبولة عند الشوام يحبها و يعرفها الصغير و الكبير. هذا ما رأيته أمس حين قدم عارف و اصطف بجانب ثلاثة و أخذ يقود فاصلا من الدبكة بحماس و فرح بالغين. و كان علم لبنان حاضرا و بقوة ليغطي وجوه الطوائف و يسقط القناع عن القناع.
ألا تظن أننا يجب أن نسعى لنغير علم مصر مع هوجة التغيرات الحالية، أنا أرشح اللون الفحلوقي يتوسطه قرص طعمية!!

Posted by Hello

1 Comments:

Blogger Eve said...

حبّيت البوست كتير. عادةً، اجتماع الجاليات في الخارج يجعلك تشعر بروح الإلفة والتّضامن أكثر.

4:32 PM  

Post a Comment

<< Home